تاريخ الانتفاضات الطلابية في الجامعات الأمريكية

طلاب يواصلون اعتصامهم في مخيم احتجاجي بجامعة كولومبيا (رويترز)

تشهد الجامعات الأمريكية موجة احتجاجات طلابية، منددة بالحرب الإسرائيلية على غزة ومؤيدة للفلسطينيين، فمن لوس أنجلوس إلى نيويورك وواشنطن مرورا بأوستن وبوسطن وشيكاغو وأتلانتا، تتصاعد وتيرة الاعتصامات وتتسع في جامعات مرموقة عالميا مثل هارفارد وييل وكولومبيا وبرينستن.

وأعادت هذه المشاهد إلى الذاكرة ماضيا ممتدا لعقود، كانت الجامعات الأمريكية حاضرة فيه، ومثلت منطلقا للعشرات من الفعاليات والمظاهرات، بل وأحيانا مصدرا للعديد من القرارات والتشريعات ليس فقط داخل الولايات المتحدة، ولكن في العديد من دول العالم في مختلف القارات، التي تستجيب جامعاتها للنداء، وتنتقل إليها الشرارة، فتصبح ساحات للنضال والحرية.

علامات بارزة على طريق النضال الطلابي:

جامعة هوارد – ربيع 1968

في ربيع 1968، احتشد أكثر من ألف طالب في جامعة هوارد التي يدرس بها غالبية من الطلاب ذوي الأصول الإفريقية، وطالبوا باستقالة رئيس الجامعة، وبتركيز المنهج التعليمي على تاريخ وثقافة الأمريكيين الأفارقة، وإنشاء نظام قضائي يشمل الطلاب بالإضافة إلى إسقاط الإجراءات التأديبية بحق الطلاب المشاركين في احتجاج سابق، وتُوجّت هذه الاحتجاجات بموافقة الجامعة على الاستجابة للمطلبين الأخيرين.

وبعدها بشهر واحد فقط، تظاهر طلاب جامعة كولومبيا للمطالبة بإلغاء جامعتهم لعقد يربطها مع مركز أبحاث للأسلحة، ومنع خطط لبناء صالة رياضية في حديقة عامة بحي هارلم، الذي تقطنه غالبية من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية.

وخلال هذه العملية أصيب أكثر من 100 شخص، وأُلقي القبض على أكثر من 700 آخرين بعد اقتحام الشرطة للمبنى، بتهم التعدي الإجرامي والسلوك غير المنضبط، لكن الاحتجاجات استمرت، وأجبرت الجامعة على إنهاء علاقاتها مع مركز الأبحاث الدفاعي، وإيقاف خطة بناء صالة الألعاب المتنازع عليها.

وانتقلت عدوى الاحتجاجات إلى أوروبا حيث تمرد طلاب جامعات بولندية ضد رقابة الحكومة الشيوعية في مطلع 1968، بمشاركة نحو 300 طالب، لكنها تصاعدت لتصل إلى 20 ألف محتج في مارس/آذار من العام نفسه.

وفي فرنسا، في مايو/أيار 1968، تحولت الاحتجاجات التي بدأت مظالم طلابية في جامعة السوربون، إلى انتفاضة اجتماعية واسعة النطاق، وتجمّع نحو 20 ألف طالب في الحرم الجامعي، وأقاموا المتاريس في الشوارع، واشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب، وانضمت النقابات العمالية والأساتذة إلى الطلاب في إضراب عام استمر 24 ساعة، وأصبحت علامة فارقة في تاريخ فرنسا الحديث.

وأدركت الجامعات الأمريكية والأوروبية في تفاعلها مع الأحداث أن مهمتها ليست الدراسة فقط، بل الإسهام في خلق بيئة خالية من العنصرية والتمييز، وتعزيز أفكار الحرية والعدالة والتقدم.

وكان للحركة الطلابية المناهضة لحرب فيتنام دور في تقويض شعبية الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون، ففي انتخابات 1964، وقبل تصاعد حرب فيتنام، فاز جونسون بأغلبية ساحقة بلغت 60% من الأصوات، إلا أن الاحتجاجات المناهضة للحرب والتجنيد الإجباري أدت إلى تحول كبير في الرأي العام، فتحولت الغالبية الداعمة لجونسون إلى أغلبية مؤيدة للمرشحَين الجمهوريَّين، نيكسون وجورج والاس، في انتخابات 1968.

كما ساعدت الاحتجاجات الطلابية التي بدأت في جامعة كاليفورنيا (بيركلي) ضد الحرب في انتخاب رونالد ريغان حاكما لولاية كاليفورنيا عام 1966.

جامعة هارفارد 1969

في 9 من إبريل/نيسان عام 1969، احتشد عدد من الطلاب في قاعة جامعة هارفارد، وأخرجوا جميع إداريي المؤسسة من المبنى.

وأدى تدخل الشرطة إلى طرد المحتجين، واعتقال أكثر من 300 طالب، لكن الاعتصامات أسهمت في النهاية بتغييرات تضمنت إنشاء قسم للدراسات الإفريقية الأمريكية.

مجلة جامعة هارفارد

جامعة كينت أوهايو 1970

في 7 من مايو 1970، تصاعدت الاحتجاجات الطلابية في جامعة كينت بولاية أوهايو، وتدخلت قوات الأمن وقتلت 4 طلاب وتسببت في جرح 9 آخرين، مما أدى إلى إضراب وطني للطلاب، وتصاعد الاحتجاجات واجبار مئات الكليات والجامعات على الإغلاق.

تجمّع آلاف الطلاب في حرم جامعة كاليفورنيا احتجاجا على علاقات الجامعة التجارية مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأدت الاحتجاجات إلى سحب استثمارات أمريكية من حكومة الفصل العنصري في يوليو/تموز عام 1986، حيث صوَّت مجلس أمناء الجامعة على سحب 3.1 مليارات دولار من الشركات التي تتعامل مع البلاد.

وعندما أُطلق سراح نيلسون مانديلا عام 1990، قام بزيارة الجامعة وتوجيه الشكر للطلاب والأساتذة بيركلي، الذين وصفهم بأنهم “إخوته وأخواته في الدم”، وذلك تقديرا لدورهم في النضال ضد الفصل العنصري.

الموقع الرسمي لجامعة أوهايو

جامعة ميشيغان 1999

في 17 من مارس 1999، بدأ طلاب اعتصاما بجامعة ميشيغان، للاحتجاج على ظروف العمل السيئة في المصانع التي تتعامل مع الجامعة، ودفعت الاحتجاجات الجامعة إلى تشكيل لجنة استشارية لمكافحة العمل القسري.

الموقع الرسمي لجامعة ميشيجان

جامعة هارفارد 2014

في عام 2014، شارك طلاب كلية الطب بجامعة هارفارد في احتجاج رمزي تضامنا مع حركة “حياة السود مهمة”، وردّا على حوادث عنف الشرطة ضد الأمريكيين من أصل إفريقي، وردّا على قرارين قضائيين بعدم توجيه اتهامات جنائية إلى ضباط شرطة متورطين في حادثتي قتل بحق رجلين أمريكيين من أصل إفريقي.

جامعة كولومبيا 2023

في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023، تجمّع مئات الطلاب في وسط الحرم الجامعي احتجاجا على قرار جامعة كولومبيا تعليق مجموعتي “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” و”الصوت اليهودي من أجل السلام”.

وبعد مرور نحو 7 أشهر على حرب غزة، تصاعدت الاحتجاجات في الجامعة، وقامت شرطة نيويورك بإخلاء معسكر مؤقت أقامه المحتجون في الحديقة الجنوبية للجامعة، لكن تدخل الشرطة أشعل شرارة التظاهر التي امتدت إلى عشرات من الجامعات الأمريكية.

واصل طلاب جامعة هارفارد اعتصامهم المفتوح داخل الحرم الجامعي احتجاجا على استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وطالب الطلاب المعتصمون بوقف الدعم الأمريكي لإسرائيل في هذه الحرب، ونددوا بما وصفوها بحرب الإبادة ضد أهالي غزة.

وأنشأ طلاب هارفارد مخيما للاحتجاج في إحدى ساحات الجامعة، متهمين الجامعة بقمع الأصوات التي تتحدث علنا ضد الممارسات الإسرائيلية.

وواصل طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اعتصاما مفتوحا احتجاجا على ما يَعُدونه إبادة جماعية للشعب الفلسطيني.

وفي ولاية تكساس، اعتقلت الشرطة عشرات من الطلاب المحتجين داخل حرم جامعة أوستن، بينما قامت قوات مكافحة الشغب بالتصدي للمتظاهرين الغاضبين، واستخدم بعضهم الهراوات لتفريقهم.

واشتبك طلاب جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس مع أفراد الشرطة خلال محاولتهم إزالة الخيام التي نصبها المحتجون وسط الحرم الجامعي، وجرى اعتقال عدد منهم.

وشهدت جامعات أخرى احتجاجات مماثلة، ونصب فيها الطلاب المخيمات، منها جامعة براون في مدينة بروفيدنس، وجامعة ميشيغان في مدينة آن أربور، وجامعة كاليفورنيا بوليتكنك في مدينة هومبولت.

الجامعات التركية تنضم إلى الحراك الطلابي العالمي

تضامن جامعات تركية

وفي خطوة تضامنية، أدانت 25 جامعة تركية استخدام الشرطة الأمريكية العنف ضد طلاب مشاركين في احتجاجات مناصرة لقطاع غزة في الولايات المتحدة، وأعربت عن دعمها للطلاب المتظاهرين، ونشرت الجامعات التركية بيانا مشتركا داعما للمتظاهرين.

وقالت في البيان “ارتُكبت أعمال عنف ضد طلاب جامعيين يحتجون سلميا على الوحشية المستمرة منذ أكثر من 6 أشهر، وتهدف إلى القضاء على الأبرياء الذين يعيشون في غزة”.

كما نشر العديد من رؤساء الجامعات البيان عبر حساباتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي للتأكيد على تضامنهم مع الاحتجاجات الداعمة لغزة في الولايات المتحدة.

مطالب الطلاب المتظاهرين

  • يطالب الطلاب المتظاهرون بوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب.
  • العفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين تعرضوا لإجراءات تأديبية أو الطرد بسبب الاحتجاج.
  • وشملت هذه المطالب سحب الاستثمارات من الشركات التي “تستفيد من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والإبادة الجماعية والاحتلال في فلسطين”.
  • والمزيد من الشفافية بشأن استثمارات الجامعة، وقطع علاقاتها مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، بما في ذلك المركز العالمي لجامعة كولومبيا في تل أبيب وبرنامجها للحصول على شهادات مشتركة مع جامعة المدينة ذاتها.
  • كما يدعو الطلاب إلى سحب استثمارات الجامعات المباشرة أو حصصها في الشركات التي تقوم بأعمال تجارية في إسرائيل أو معها، بما في ذلك شركتا أمازون وغوغل، اللتان أبرمتا عقدا بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الإسرائيلية، لتزويدها بقدرات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
  • كما طالبوا بسحب الاستثمارات من شركة مايكروسوفت، التي تقدم خدماتها لوزارة الدفاع والإدارة المدنية الإسرائيليتين، إضافة إلى شركات الصناعات الدفاعية التي تستفيد من الحرب مثل شركة لوكهيد مارتن، وكذلك شركة كاتربيلر.

ردود الجامعة والسلطات الرسمية على الاحتجاجات

أوقفت جامعة كولومبيا وكلية بارنارد التابعة لها عشرات الطلاب المشاركين في الاحتجاجات، كما أُلقي القبض على أكثر من 100 متظاهر في جامعة كولومبيا، بعد أن استدعت رئيسة الجامعة الشرطة لإخلاء المخيم بعد يوم من إدلائها بشهادتها أمام لجنة بمجلس النواب، وقالت إن المخيم انتهك القواعد المناهضة للاحتجاجات غير المصرَّح بها.

ثم أعلنت جامعة كولومبيا أنها ستعتمد نظام دراسة هجينا يجمع بين الحضور الشخصي والافتراضي لبقية الفصل الدراسي.

وفي جامعة ييل، ألقت الشرطة القبض على أكثر من 70 طالبا بعد مظاهرة استمرت أسبوعا في ساحة حرم الجامعة في نيوهيفن بولاية كونيتيكت، بعدما رفضوا مغادرة الساحة والالتقاء بأمناء الجامعة.

وقالت إدارة شرطة نيويورك إن الضباط اعتقلوا 120 شخصا في جامعة نيويورك، وقال مسؤولو الجامعة إنهم طلبوا تدخل الشرطة، لأن المتظاهرين لم يتفرقوا وكانوا “يؤثرون على سلامة مجتمعنا وأمنه”.

من جانبها، ألغت جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية في هومبولت الحضور الشخصي، بعد أن تحصن طلاب في مبنى إداري، مطالبين بالكشف عن علاقات جامعتهم مع إسرائيل وقطع العلاقات مع جامعات الإسرائيلية.

وقالت جامعة ميشيغان إنها ستسمح بحرية التعبير والاحتجاج السلمي في احتفالات التخرج، في أوائل مايو، لكنها ستوقف “التعطيل الكبير” للدراسة.

وفي جامعة إيموري، اعتقلت الشرطة متظاهرين في حرم الجامعة في أتلاتنا، بعد أن نصبوا خياما لمظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، وقالت الجامعة إن عشرات المتظاهرين ليسوا طلابا وتجاوزوا الحرم الجامعي، حيث اتصلت بالشرطة للحصول على المساعدة، وقالت الشرطة إن المتظاهرين كانوا عنيفين، مما دفعهم إلى استخدام معدات مكافحة الشغب.

أما في جامعة إيمرسون، فقالت شرطة بوسطن إنها اعتقلت أكثر من 100 شخص يوم الخميس، وأصيب أربعة أفراد من الشرطة، حيث أقام الطلاب مخيما في حرم الجامعة، وأظهرت مقاطع مصورة حدوث اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة.

وفي جامعة نيويورك، احتجزت الشرطة نحو 120 شخصا بناء على طلب من إدارة الجامعة.

وفي جامعة برينستون بولاية نيوجيرسي، قالت الجامعة إن الخيام التي نُصبت يوم الخميس تم إزالتها طوعا، بعد إلقاء القبض على اثنين من الطلبة بتهمة التعدي على ممتلكات الغير، ومنعهما من دخول الحرم الجامعي.

وفي جامعة نورث وسترن، قالت الجامعة إنها تحث المتظاهرين على إزالة خيامهم من الحرم الجامعي في إيفانستون بولاية إلينوي أو قد يتم القبض على من لا يفعلون ذلك.

وفي جامعة جورج واشنطن، طلبت الجامعة من المتظاهرين الانتقال إلى منطقة أخرى في الحرم الجامعي، لأن امتحانات ستُجرى في المباني القريبة من منطقة التظاهر.

وفي جامعة هارفارد، تم إغلاق حرم الجامعة في ولاية ماساتشوستس حتى الجمعة، بينما قام الطلاب بالاحتجاج ونصب الخيام.

ردود فعل سياسية

قال الرئيس جو بايدن إنه يستنكر “الاحتجاجات المعادية للسامية” و”أولئك الذين لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين”.

ووصف الرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الجمهوري لانتخابات عام 2024، الاحتجاج في الجامعات بأنه “فوضوي”.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن هذه الاحتجاجات “معادية للسامية”، وشبَّهها بألمانيا في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي.

وأضاف نتنياهو “يجب إدانة سلوك الطلاب في الجامعات الأمريكية وردود فعل بعض الجامعات”، ودعا المسؤولين المحليين والفدراليين إلى التدخل.

كما دعا وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى وقف المظاهرات، وزعم أن “المظاهرات التي تشهدها الجامعات في الولايات المتحدة تمثل معاداة للسامية وتحريضا على الإرهاب”.

كذلك ادعى وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أن “يهود الشتات يعانون حاليا موجة شديدة من معاداة السامية في المجتمعات والجامعات في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم”.

وفي المقابل أمام هذه التصريحات وغيرها، تتسع رقعة الانتفاضة من الجامعات الأمريكية في الولايات المتحدة، إلى الجامعات الأوروبية العريقة مثل السوربون وغيرها، وصولا إلى الجامعات اليابانية.

المصدر : الجزيرة مباشر